زيارة الأربعين في مفهومها اللغوي تعني زيارة الإمام الحسين عليه السلام بعد مرور أربعين يومًا على استشهاده في العاشر من محرم الحرام وتصادف يوم العشرين من صفر.. غير أن العلامة المجلسي يؤكد على جانب أهم من المعنى التقليدي لزيارة أربعين من يستشهد أو يموت وهو أن علة استحباب زيارة الامام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين هو أنها يوم إعادة الرؤوس الطاهرة الى الأجساد الشريفة على يديّ الامام علي السجاد عليه السلام، بعدما مُثّل بها في واقعة الطف الأليمة حيث تؤكد الكثير من المصادر التاريخية عند فرق المسلمين كافة على أن الرأس الشريف للإمام الحسين الشهيد رد الى جثته الظاهرة ليدفن معها..

كما تؤكد روايات الخاصة والعامة على ورود أهل البيت عليهم السلام الى كربلاء في يوم الأربعين وبأنه يوم رجوع حرم الإمام الحسين عليه السلام من سبي الشام تقول المصادر التاريخية أنه عند رجوع موكب السبايا من الشام إلى المدينة المنوّرة، وصلوا إلى مفترق طريق، أحدهما يؤدّي إلى العراق، والآخر إلى الحجاز، فقالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء. فوصلوا يوم العشرين من صفر ـ أي يوم الأربعين ـ إلى كربلاء، فزاروا قبر الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وأقاموا مأتم العزاء، وبقوا على تلك الحال أيّاماً.

وكانوا قد التقوا بالصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري الذي كان أول من وصل لزيارة قبر الامام الحسين عليه السلام في أول أربعين لسيد الشهداء عام 61هـ..

يقول عَطا مولى جابر: ((كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلمَّا وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثم قال لي: أمعكَ من الطيب يا عَطا؟، قلت: معي سُعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثم مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام)، وكبَّر ثلاثاً، ثم خرَّ مغشياً عليه، فلمّا أفاق سَمعتُه يقول: السلام عليكم يا آلَ الله…))

وبينا جابر عند قبر الامام الحسين (عليه السلام)، إذ بسواد قد طلع عليهم من ناحية الشام، فقال جابر لعطا مولاه: انطلق إلى هذا السواد وآتِنا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عُمر بن سعد فارجع إلينا، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين (عليه السلام) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى. مضى عطا، فما أسرع أن رجع وهو يقول: يا جابر، قم واستقبل حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا زين العابدين قد جاء بعمَّاته وأخواته. فقام جابر يمشي حافي القدمين، مكشوف الرأس، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين، فقال (عليه السلام) له: أنْتَ جابر؟، قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال الإمام (عليه السلام): يا جابر هاهُنا واللهِ قُتلت رجالُنا، وذُبحِت أطفالُنا، وسُبيَت نساؤنا، وحُرقَت خِيامُنا!