إن الله عزّ وجلَّ يريد بعباده الخير في أمور الدين والدنيا والآخرة ؛ لذا خصَّ زوار الحسين عليه السلام بكرامات لا تعد ولاتحصى ،وفضائل ولايخفى أثرها على الموافق والمخالف ، ذلك لخصوصيّة زيارته عليه السلام التي تتعدد أبعادها الدلاليّة والتي منها :
الدلالة الروحيّة:
إن الأرواح كاللأبدان تتعرض للوهن والأسقام ، إلا أن دوائها يكمن في التقرب للرحمان ، من خلال السبل الواضحة التي نص عليها الشارع المقدس ، ولعل من أسلك السبل وأيسرها وأحبها إلى القلوب زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ذاك الذي تقاطرت دماء قلبه فداءً لشرعة جده صلى الله عليه وآله وثمناً لبقاء الإسلام وأهله فسخّر الله له قلوب المحبين والأحرار في كل زمان ومكان وفي كل حقبة من الأحقاب ، فبزيارته يتقرب العبد من ربه كما ورد عن مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام :((من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى زيارة قبر الحسين عليه السلام ، وأفضل الأعمال عند الله إدخال السُّرور على المؤمن ، وأقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجدٌ باكٍ))” ، هذا جانب ومن جانب آخر فإن الزائر تحيطه(1)
الألطاف المعنوية التي تؤثر في روحه ونفسه اثناء توجهه للزيارة شوقاً وحبّاً إليه ، يردّد لسانه التسبيح والتتعليل والذكر، فزيارة الحسين تعود على زائريها بغفران الذنوب وستر العيوب، فقد ورد عن عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ((من زار الحسين من شيعتنا لم يرجع حتَّى يغفر له كُلُّ ذنب ، ويكتب َله بكلِّ خطوة خطاها وكلِّ يد رفعتها دابَّته ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيِّئة ، ويرفع له ألف درجة )) ” . (2)
ومن فيوضات المولى أبي عبد الله الحسين أن ينال زوّاره الفضل العظيم والدرجات الرفيعة فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : (( إذا كان يوم القيامة ناد منادٍ : أين زوَّارالحسين بن عليٍّ عليه السلام ؟ فيقوم عنق من النَّاس لايحصيهم إلا الله عزّض وجلَّ ، فيقول لهم :ماذا أردتم بزيارة قبر الحسين عليه السلام ؟فيقول :يا ربِّ أتيناهُ حبّاً لرسوالله صلى الله عليه وآله وحبّاً لعليٍّ وفاطمة ورحمة له عليه السلام ؟ممَّا ارتكب منه ،فيُقال لهم :هذا محمَّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم ،الحقوا بلواء رسول الله ، فينطلقون غلى لواء رسول الله صلى الله عليه وآله فيكونون في ظلِّه واللِّواء في يد عليٍّ عليه السلام حتَّى يدخلون الجنَّة جميعاً فيكونونَ أمام اللِّواء وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه )) (3)
عن زيارة الحسين عليه السلام جامعة للفضائل كلها ، وللخيركلّه لا للزائر فحسب بل لكل متعلقيه فهي تخلص الزائرمن الذنوب تخليصاً خاصاً قد عبر عنه فيما يقرب إلى أربعين حديثاً بانه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، بل تكون سبباً لخلاص متعلقين الزائر ففي رواية عن سيف التمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال :زائر الحسين عليه السلام مُشفع يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار ، وفي روايات أُخر أنه يقال لهم خذوا بيد من احببتم فادخلوه الجنة .” (4)
ولعل من أعظم الأثار الحاصلة لمن زار اللإمام الحسين زيارة بشروطها وآدابها الشرعية واخلاص النيّة لله تعالى بالقربة ولرسوله صلى الله عليه وآله وعترته الهادية ، أنّ ينظر الله للزائر بالرحمة ، وأن زيارته مساعدة لفاطمة الزهراء عليه السلام فهي تزور الحسين عليه السلام كل يوم ، وأيضاً يصير وجه الزائر وخده وعينه وقلبه محل دعاء الإمام الصادق عليه السلام فإنه كان يدعو وهو باكٍ في سجوده ويقول :اللهم ارحم تلك الوجوه التي تقلبت على حفرة أبي عبدالله – عليه السلام -وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. (5)
الدلالة الولائية ::
إنّ الله سبحانه وتعالى ارسل الأنبياء والرسل واوصيائهم ليكونوا قدوة تحتذي بالشعوب بهم ن ويحذون حذوهم نحو االكمال والصفات السامية التي تليق بمنطق العقل السليم واصحاب الصراط السوي ،وفرض حقهم على المؤمنين وللإمام الحسين عليه السلام حقٌّ على مواليه وشيعته واتباعه وكل أحرار العالم الذي يرفضون العبودية والذل ، وكذلك فإن لزيارته عليه السلام أبعاد ولائيّة منها توطيد العلاقة والارتباط بالنبي صلى الله عليه وآله والعترة الهادية ، واداء حقه ، اداءً لحقوقهم عليه السلام جميعاً ، والحزن لحزنهم فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام :” من دمعت عيناه فينا دمعة ً لدم سفك لنا أو حقٍّ لنا نُقصناه او عرضٍ انتهك لنا او لأحدٍ من شيعتنا بوَّأه الله تعالى بها في الجنَّة حُقباً” 6 (6)
وأما مواساة الزائرلمولاتنا فاطمة الزهراء عليه السلام فهي المواساة الأعظم اجراً وقربةً إلى الله عزَّوجلَّ وإليها ، النور الذي خلق منه كل شي فاطمة الكبرى فعن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام :”وإنَّ فاطمة عليه السلام إذا نظرت إليهم ومعها ألف نبيٍّ وألف صدِّيق وألف شهيد ومن الكروبيِّين ألف ألف يسعدونها على البكاء ، وإنَّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السَّماوات ملك إلَّا بكى رحمةً لصوتها ، وما تسكن حتَّى يأتيها النَّبيُّ صلى الله عليه وآله فيقول :يا بنيَّة قد أبكيت أهل السَّماوات وشغلتِهم عن التَّسبيح والتَّقديس فكُفِّي حتَّى يقدِّسوا؛ فإنَّ الله بالغ أمره ، وإنَّها لتنظر إلى من حضر منكم فتسأل الله لهم من كلَّ خير، ولاتزهدوا في إتيانه فإنَّ الخير “في إتيانه أكثر من ان يحصى (7)
فهنيئاً لمن نظرت إليه فاطمة ،ولمثل هذا فليعمل العاملون ،وليتنافس المتنافسون …..
إذن فإن الهدف من البكاء على سيد الشّهداء هو إحياء ظلامته والصدح بجرم قتلته ، وكذلك مواساة الآل الكرام ، وتحريك العاطفة الإنسانيّة وايقاد شعلة الحرية في نفوسهم ، ورفض الطواغيت وجلاوزتهم وإعلاء راية الحق على مدى العصور والإزمان ، فقد ورد عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنَّه تلا قوله تعالى: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )) (سورة غافر :51)
ثم قال :”الحسين بن علي منهم ، ووالله إنَّ بكاءكم عليه وحديثكم بما جرى عليه وزيارتكم قبره نصرة لكم في الدُّنيا ، فأبشروا فإنَّكم معه في جوار رسول الله صلى الله عليه وآله (8)
اترك تعليق