زُرْ قبرَ سبطِ الهاشميّ الهادي *** ولَدَيْهِ حزنا وا حسيناً نادِ
زر قبرَه في الأربعينَ وِثقْ بها * يومَ القيامةِ فهي خيرُ الزادِ
واذرِ مـدامـعَ مُـقـلـتَـيـكَ بعندّمٍ *** مُـسـتعـبراً متجلبباً بسوادِ
حتى كـأنّـكَ جـابـرٌ لـمـا أتـى *** مُـسـتـقـبـلاً لـلعابدِ السجادِ
وافى بأضعانِ الفواطمِ زائراً ** لضرائحِ الشهداءِ والأمجادِ*
*الشيخ باقر الخفاجي

زيارة الأربعين دلالة الإيمان واليقين

إنّ الصراع بين الحق والباطل يستمرمدى الحياة وتظهر آثاره و نتائجه في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ويوفى الإنسان السالك لأي منهما حسابه في دار القرار ، ومهما اشتد الباطل وكثراصحابه فنهايته محتومة خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة ذلك وعد غير مكذوب، أما الحق فإن وعرت سبله ، وقل سالكوه فإنه واضحٌ أبلج تحوم قلوب المؤمنين حوله ، وتسمو نفوسهم تجاه أنواره المشعة ، وإن عميت قلوب المبطلين قبل ابصارهم عن رؤيته وطلبه ولعل من أعظم المعارك التي حدثت في تاريخ بني البشر ،بين الحق والباطل تلك التي وقعت في أرض الغاضرية بين خيرالورى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، سليل النبوة ومعدن التنزيل وبين معسكر الباطل ومأوى الشيطان يزيد وجيشه الكافر، فكانت واقعة الطف في كربلاء ودماء الرسالة التي أُريقت فيها ، مصداقاً لانتصار الحق على مدى العصور والأزمان .
إنّ الله عزّوجل يحب عباده الساعين لمراضيه ، لاسيما الصفوة من خلقه الأنبياء وأوصيائهم أولئك الذين يريدون رضا الله عز وجل ، ويؤمنون بالآخرة و يسعون للخيرات ودفع الظلم والحيف عن البشرية جمعاء ، وكان قطاف سعيهم البشرى بالجنان وشكر سعيهم ، فضلا عن تخليد ذكرهم في الدنيا ومقامهم المحمود في الآخرة وقد ورد ذلك في قوله تعالى:
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) ﴿١٩ الإسراء﴾
وقد شكرالله عز وجل سعي الإمام الحسين عليه السلام ، فجعله قبلة لمن أراد وجهه ، وجعل زيارته حصن حصين من النيران ، وعلامة من علامات الإيمان فقد روى ابن قولويه بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ،قال :قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه :زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أهدت لنا أمُّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدّمنا منه فأكل ، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات ، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً ،فلم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً له ،فقام الحسين عليه السلام وقعد في حجره فقال :يا أبة لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثمّ بكيت بكاء غمّنا ، فما أبكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فأخبرني أنّكم قتلى ، وأنّ مصارعكم شتّى ،فقال: يا أبة فما لمن زار قبورنا على تشتّتها ؟ فقال :يا بني !اُولئك طوائف من اُمتي يزورنكم فيلتمسون بذلك البركة ، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلّصهم من أهوال الساعة ومن ذنوبهم ،ويسكنهم الله الجنّة (1)

هذا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي لاينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، فقوله وفعله حجة على كل مسلم ومؤمن ، وبكائه على ولده الحسين أضفى مشروعية البكاء ووجوبه على سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه السلام ،وكذلك بكته ملائكة السماء والأنبياء وقد خص الإمام الحسين عليه السلام ببكاء الجميع قبل استشهاده وبعده، نقل المجلسي عن قصص الأنبياء قوله: «الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبي بصير، عن أحدهما(صلوات الله عليهما) قال: لمّا كان من أمر موسى الذي كان أُعطي مكتلاً فيه حوت مالح فقيل له: هذا يدلّك على صاحبك عند عين لا يُصيب منها شيء إلّا حيَّ، فانطلقا حتّى بلغا الصخرة وجاوزا، ثمّ قال لفتاه: آتنا غداءنا. فقال: الحوت اتخذ في البحر سرباً، فاقتصا الأثر حتّى أتيا صاحبهما في جزيرة في كساء جالساً، فسلّم عليه، وأجاب، وتعجّب وهو بأرض ليس بها سلام، فقال: مَن أنت؟ قال: موسى. فقال: ابن عمران الذي كلّمه الله؟ قال: نعم. قال: فما جاء بك؟ قال: أتيتك على أن تعلّمني. قال: إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه. فحدّثه عن آل محمد وعن بلائهم وعمّا يُصيبهم، حتّى اشتدّ بكاؤهما، وذكر له فضل محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وما أُعطوا وما ابتلوا…»(2)
وكذلك روى ابن نما في مثير الأحزان عن ابن عباس، قال: «لمّا اشتدّ برسول الله(صلى الله عليه واله) مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول: ما لي وليزيد لا بارك الله فيه، اللّهم العن يزيد. ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق، وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: أَما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله)عز وجل). (3)

ولعل من أشهر الروايات في استحباب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام رواية الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام مخاطباً إيّاه: «يابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله… يابن شبيب، إن بكيت على الحسين عليه السلام حتّى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً» (4)

وكما إن للبكاء على اللإمام الحسين عليه السلام فضلا و أجراً ، فإن زيارته تعد من المستحبات المؤكدة على كل مؤمن ومؤمنة فهي أهم وأعظم الشعائرالحسينيّة لما ورد فيها من الروايات المتواترة بل فاقت حد التواتر ، فعن أُم سعيد الأحمسية قالت : (قال أبو عبد الله عليه السلام :يا أُم سعيد تزورين قبر الحسين عليه السلام ؟ق لت :نعم ،قال :ياأُم سعيد ، زوريه فإنَّ زيارة الحسين واجبة على الرﱢجال والنـﱢساء )(5)

وعن زرارة قلت لأبي جعفر الإمام الباقر عليه السلام : ما تقول في من زار أباك على خوف ؟قال :(يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر ، وتلقَّاه ملائكة بالبشارة ، ويُقال له :لاتخف ولاتحزن ، هذا يومك الَّذي فيه فوزك) (6)

وأما تاريخ بدء الزيارة فهو بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وكانوا أئمتنا يزورون الإمام عليه السلام ، فقد رُوي أن رجلاً رأى الإمام زين العابدين عليه السلام في مسجد الكوفة فقال له : ما أقمك بلاداً قُتل فيها أبوك ؟ فقال عليه السلام : (زرت أبي وصلّيت في هذا المسجد) (6)

بل وتستحب زيارته عن بعد أيضا كما في خبر حنان بن سدير عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (يا سديرتزور الحسين عليه السلام في كل يوم ؟ قلت :جُعلت فداك لا .قال :فما أجفاكم ؟ قال : فتزورونه في كل جمعة ؟ قلت لا.قال : فتزورنه في شهر ؟ قلت :لا.قال: فتزورونه في كل سنة ؟قلتت : قديكون ذلك، قال :ياسدير ، ما أجفاكم للحسين ، أما علمت أنَّ لله عزَّ وجلَّ ألفي ألف ملك شعثاً غبَّراً يبكونه ، ويزورونه لا يفترون ،وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كل جمهة خمس مرَّات ، أو في كل يومٍ مرَّة ؟قلت :جُعلت فداك ، بيننا وبينه فراسخ كثيرة. قال :اصعد فوق سطحك ،ثمَّ التفت يمنة ويسرة ، ثمَّ ترفع رأسك إلى السَّماء ، ثم تنحو نحو القبر ، فتقول (السَّلام عليك يا أبا عبدالله ، السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته )تُكتب له زورة ، والزورة حجَّة وعمرة) (8)

وذهب بعض العلماء إلى وجوب الزيارة لكثرة ما ورد فيها من الروايات ‘ فعن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال :(زيارة الحسين عليه السلام واجبة على كلّ من يقرُّ للحسين عليه السلام (بالإمامة من الله عزَّ وجلَّ) (8)

إنّ من كرامات زيارة الحسين عليه السلام لشيعته ومحبيه أنها لاتحتسب من اعمارهم فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ : ” إِنَّ أَيَّامَ زَائِرِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام ) لَا تُعَدُّ مِنْ آجَالِهِمْ (8)

وروى الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه بإسناده عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ زُوَّار الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ؟
فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، فَيَقُولُ لَهُمْ : مَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ؟
فَيَقُولُونَ : يَا رَبِّ أَتَيْنَاهُ حُبّاً لِرَسُولِ اللَّهِ وَ حُبّاً لِعَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ رَحْمَةً لَهُ مِمَّا ارْتُكِبَ مِنْهُ .
فَيُقَالُ لَهُمْ : هَذَا مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، فَالْحَقُوا بِهِمْ فَأَنْتُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ ، الْحَقُوا بِلِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ فَيَكُونُونَ فِي ظِلِّهِ- وَ اللِّوَاءُ فِي يَدِ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى يدخلون الْجَنَّةَ جَمِيعاً فَيَكُونُونَ أَمَامَ اللِّوَاءِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ يَسَارِهِ وَ مِنْ خَلْفِه .(11)

ويتأكد استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في أيام مخصوصة كيوم عرفة ، والعيدين ، والنصف من شعبان ، وأوَّل رجب ونصفه ، وليالي الجمع وأيامها ، ويوم عاشوراء ، وزيارة يوم الأربعين .

صورة لمدينة كربلاء القديمة تعود لعام 1926م

زيارة الأربعين

إنَّ الأمم والشعوب تعمل على بناء الأضرحة والنُّصب لقادتها ومضحيها لكي تزرع في النفوس روح التضحية والإيثار ، وتبث في العقول افكار الحرية والإباء ، وتحاول توجيه قلوب الناس لتلك الشخصيات فتلك المحاولات أحياناً تنجح وأحياناً أخرى قد تبوء بالفشل ، اما من خلّده الخالق جلّ شأنه ، فآولئك الذين تهوي القلوب إليهم الذين جعلهم الله منارا يهتدي به المؤمنون وكل ذي قلب سليم ،وإمامنا الحسين عليه السلام يمثل رمزا للنضال والجهاد والشهادة وزيارته في العشرين من صفر أي بعد مرور أربعين يوما على استشهاده أحدى علامات الإيمان كما ورد عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال : علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. (12)

وقد ورد عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: ” يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية و وعدنا الشفاعة وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر أبي [عبد الله] الحسين عليه السلام الذي أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله وإجابة منهم لامرنا وغيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذي خلفوا بأحسن الخلف وأصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك أو شديد وشر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل من أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا به على أنبائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا وخلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد الله عليه السلام وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى نوافيهم على الحوض يوم العطش ” فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا والله لقد تمنيت أن كنت زرته ولم أحج، فقال لي: ما أقربك منه فما الذي يمنعك من إتيانه، ثم قال: يا معاوية لم تدع ذلك؟ قلت: جعلت فداك لم أدر أن الامر يبلغ هذا كله. قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض. (13)

تسمية زيارة الأربعين

سميت هذه الزيارة بالأربعينيّة لأنها تمثل مرور أربعين يوما على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة و توافق اليوم العشرين من شهر صفر وتشارك الشخصيات من مختلف الأديان والمذاهب من داخل العراق وخارجه .
ويستذكرالمسلمون في هذا اليوم فاجعة الطف الأليمة إذ يتوافدون في أيامها بجموع مليونية، لزيارة مرقد الإمام الحسين وأخيه الإمام العباس عليهما السلام، وإقامة مناسبات العزاء، وتقديم الطعام والسير مشياً على الأقدام لمئات الكيلومترات، مواساة لمسير سبايا آل بيت النبي من كربلاء المقدسة إلى الشام.
يقدم المؤمنون الشيعة من خلال زيارة الأربعين رسالة أئمتهم إلى العالم من خلال شعاراتهم وخطابهم وسلوكهم وإدارتهم للمناسبة.
إن ّ زيارة الأربعين تعكس صورة المذهب والطائفة لذا يجب استثمار هذه الزيارة من خلال تعميق الوعي الديني في صفوف الزائرين والمتابعين، وتعزيز السلوك الإيجابي الأخلاقي، لتكون الزيارة سببًا لتحولات إيجابية في الوعي والسلوك.
ولزيادة الوعي الديني وتمكين الإدراك أعدت الحوزة العلميّة مراكزاً للتبليغ الديني في أوساط الزائرين، وبين المواكب، وفي المحطات المختلفة للطرق، حيث تقام صلاة الجماعة، ويتم تبيين المسائل الشرعية، والقاء الخطابات التوجيهية، ونشر الكتب والمطويات التوعوية.
و تبذل جهودًا طيبة ومشكورة لإنجاح هذه المناسبة العظيمة واخراجها بالمستوى الحضاري اللائق من قبل المرجعية الدينية، وإدارات العتبات المقدسة، والمؤسسات الأهلية ، والمبادرات المخلصة، وتعد هذه المناسبة فرصة ذهبية لإيصال رسالة أهل البيت “عليهم السلام” وشيعتهم إلى العالم.
فهذه الزيارة مؤسّسة فكرية سياسية اجتماعية، تجعل الإنسان المسلم وكذلك غير المسلم على صلة حيّة ومباشرة بمنابع الإسلام الحنيف في الفكر والنظرية، في التطبيق والممارسة.

بدء زيارة الأربعين

قيل أن زيارة الأربعين بدأت حين ورود الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام بعد مرور 40 يوماً على استشهاده في سنة 61 هـ فكان أول من زاره من الناس.
ووافق هذا اليوم رجوع عيال الإمام الحسين عليه السلام من الشام إلى كربلاء مرة أخرى بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام فالتقى بجابر عليه السلام .
من هنا بدأت زيارة الأربعين الإمام الحسين عليه السلام كما أنه اليوم الذي رجعت فيه رؤوس لأهل البيت عليهم السلام إلى أبدانهم في كربلاء

قصة زيارة الأربعين

ورد الصحابي جابر الأنصاري في يوم العشرين من صفر سنة 614هـ فوقف على القبر الشريف لأبي عبد الله الحسين فأجهش بالبكاء , ثمّ صاح بصوت عالٍ ثلاث مرّات: يا حُسين، يا حُسين، يا حُسين…. ثمّ قال: حَبيبٌ لا يُجيبُ حَبيبَهُ وأَنّى لَكَ بِالجَوابِ وَقَدْ شُطِحَتْ أَوْداجُكَ عَلى أَنْباجكَ، وَفُرِقَّ بَيْنَ رَأْسِكَ وَبَدَنِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ النَّبِيِّينَ وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَسَلِيلِ الْهُدَى وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ وَما لَكَ ما تَكونُ كَذَلِكَ وَقَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الـمُرْسَلين، وَرُبّيتَ في حجْرِ الـمُتَّقين، وَرَضعْتَ مِنْ ثَدْي الإيمانِ وَفُطِمْتَ بِالإِسْلامِ، فَطبْتَ حَيّاً وَطبْتَ مَيتاً غَيْرَ أَنَّ قُلوبَ الـمُؤْمِنينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ بِفِراقِكَ وَلا شاكَة في الخيرةِ لَكَ، فَعَلَيْكَ سَلامُ اللهِ وَرِضْوانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى عَلَيْهِ أَخوكَ الـمُجْتَبى ثمّ جال ببصره حول القبر، وقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَيَّتُها الأَرْواح التي حَلَّتْ بِفناءِ الحُسَيْنِ وَأَناخَتْ بِرَحْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزّكاةَ ، وَأَمَرْتُمْ بِالـمَعْروفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الـمُنْكَرِ وَجاهَدْتُمُ الـمُلْحِدينَ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتّى أَتاكُمُ اليَقينُ، وَالذي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالحَقِّ نَبِيَّاً، لَقَدْ شارَكْناكُمْ فيما دَخَلْتُمْ فيهِ (14)
فقال له عطيّة العوفي كيف؟ ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأؤتمت أولادهم وأرملت الأزواج؛ فقال له جابر:(إِنّي سَمِعْتُ حَبيبي رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ يَقولُ:
مَنْ أَحَبَّ قَوْماً كانَ مَعَهُمْ وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ في عملهم» والذي بعث محمّداً بالحقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتي وَنِيَّةَ أَصْحابي على ما مَضى عَلَيْهِ الحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَصْحابُهُ >> (15)

و هنا بدأت زيارة الأربعين الإمام الحسين عليه السلام كما أنه اليوم الذي رجعت فيه رؤوس لأهل البيت عليهم السلام إلى أبدانهم في كربلاء.

يعمد المؤمنون إلى أحياء واستذكار فاجعة الطف الأليمة إذ يتوافدون في أيامها بجموع مليونية ولاسيما في أيام الأربعينية ، لزيارة مرقد الإمام الحسين وأخيه الإمام العباس عليهما السلام، وإقامة مجالس العزاء، وتقديم الطعام والسير مشياً على الأقدام لمئات الكيلومترات، مواساة لمسير سبايا آل بيت النبي من كربلاء المقدسة إلى الشام.

وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) خبر زيارة الأربعين كما في النص التالي (أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قال: حدثنا محمد بن علي بن معمر قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بنى فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول:
(السلام علي ولي الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه السلام على صفي الله وابن صفيه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات، اللهم إني اشهد أنه وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وحبوته بالسعادة، واجتبيته بطيب الولادة، وجعلته سيدا من السادة، وقائدا من القادة، وذائدا من الذادة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء. فاعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى، وشرى آخرته بالثمن الأوكس وتغطرس وتردى في هواه وأسخط نبيك، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين النار فجاهدهم فيك صابرا محتسبا حتى سفك في طاعتك دمه واستبيح حريمه، اللهم فالعنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا بن سيد الأوصياء، اشهد انك امين الله وابن أمينه، عشت سعيدا ومضيت حميدا ومت فقيدا مظلوما شهيدا وأشهد ان الله منجز ما وعدك ومهلك من خذلك ومعذب من قتلك،واشهد انك وفيت بعهد الله وجاهدت في سبيله حتى اتاك اليقين، فلعن الله من قتلك ولعن الله من ظلمك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به اللهم إني أشهدك اني ولي لمن والاه وعدو لمن عاداه، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله اشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام الطاهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك المدلهمات من ثيابها، واشهد انك من دعائم الدين وأركان المسلمين ومعقل المؤمنين، واشهد انك الامام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي، واشهد ان الأئمة من ولدك كلمة التقوى واعلام الهدى والعروة الوثقى والحجة على أهل الدنيا، واشهد اني بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لامركم متبع، ونصرتي لكم معدة حتى يأذن الله لكم، فمعكم معكم لا مع عدوكم صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم وشاهدكم وغائبكم وظاهركم وباطنكم آمين رب العالمين) وتصلي ركعتين وتدعو بما أحببت وتنصرف. (16)

 

كيفية انتشار ظاهرة زيارة الأربعين

بعد قدوم الصحابي جابر الأنصاريّ إلى كربلاء وزيارته قبر الحسين عليه السلام ، أضحت زيارة سيّد الشّهداء سنّة متّبعة على مدار العام، وتحديداً بعد حث وتأكيد الإمام جعفر بن محمد الصادق على اهمية زيارة الحسين عليه السلام والقاءمن خلال نصوص الزيارة التي ألقاها على مسامع الشيعة وبدأ الناس يتلوها في عاشوراء وفي العشرين من صفر من كلّ عام. وعلى الرّغم من القمع ومحاولة منع النّاس من إتيان مشهده في العصر الأمويّ، وتَفاوُت ذلك في العصر العبّاسيّ بحسب علاقة الحّكام العبّاسيّين بالطّالبيّين، فإنّ الموالين لأهل البيت عليه السلام والعارفين حقّهم وكرامتهم، ظلّوا يتوافدون إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام إلى أن هدم القبر ومُنع النّاس من الاقتراب من ذلك الموضع الشّريف، وبعد موت المتوكّل أعيد بناؤه، وأخذ الناس يزورونه زرافات زرافات، ولا سيّما أنّ الأئمّة عليهم السّلام أكّدوا على زيارته، وأقوالهم في ذلك كثيرة،:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قد وكّل الله تعالى بالحسين عليه السلام سبعين ألف ملك شُعثاً غُبراً، يُصلّون عليه كلّ يوم ويدعون لمن زاره، ورئيسهم ملَك يُقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلّا استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلّا شيّعوه، ولا يمرض إلّا عادوه، ولا يموت إلّا صلّوا على جنازته واستغفروا له بعد موته>> (17)

وكذلك ورد عنه عليه السلام : مَن أتى الحسين عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر>> (18)
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة>> (19)

وفي العراق، كان النّظام السّابق يخشى تجمّع النّاس في كربلاء، في المحرّم وغيره، لذلك منعهم من التّظاهر أو من التّجمّع الذي تشهده كربلاء اليوم في ذكرى عاشوراء وفي الأربعين، وما ذلك إلاّ لمعرفته أنّ الوفادة على الحسين عليه السلام تعني استنهاض الهمم، ودفع الظلم.
ولم تقصر أصداء الثّورة الحسيّنيّة على العالم الإسلاميّ، إنمّا امتدّت إلى شعوب كانت تتوق إلى الحريّة والتّخلّص من نير الاحتلال، حتى قال المهاتما غاندي (قتل في30 كانون الثاني من عام 20948م) ”تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فأنتصر“

إنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام ليست عملاً دنيوياً، بل إنّها عبادة روحية وعمل يُراد به التقرّب إلى الله تعالى، فلا بدّ أن تُوضع في إطارها الصحيح الذي رسمه أهل البيت عليه السلام ، ولا تغدو مجرّد عمل تكريمي احتفالي يقوم به إنسان حيّ لتكريم إنسان ميّت، وعلى الزائر أن يجدّد صلته بالإسلام، ويُعاهد الله على التمسّك به، والحفاظ عليه، وتطبيقه في حياته،وقد كان أهل البيت عليه السلام يعلّمون شيعتهم زيارة الحسين عليه السلام ، فـ(كانوا عليه السلام قدوة لشيعتهم في هذا الأمر، وأقدم ما نعرف من ذلك هو فعل الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ؛ فقد كان يقدم من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبيه، فقد شاهده بعض شيعة أهل البيت في مسجد الكوفة، ولمّا تعجّب من وجوده، وقال له: ما أقدمك بلاداً قُتل فيها (أبوك؟ أجابه: زُرت أبي وصلّيت في هذا المسجد)(20)

هذا غيض من فيض دلالات وبركات زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ولاسيما في يوم الأربعين فهي حج الأرواح والقلوب حول كعبة الأحرار وقائد الأخيار الذي طهر المجتمع الإسلامي من رجس الشرك وعبّاد الوثان ، فكان الفداء العظيم لبقاء الدين القويم ، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين ورحمة الله وبركاته .

هذا غيض من فيض دلالات وبركات زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ولاسيما في يوم الأربعين فهي حج الأرواح والقلوب حول كعبة الأحرار وقائد الأخيار الذي طهر المجتمع الإسلامي من رجس الشرك وعبّاد الوثان ، فكان الفداء العظيم لبقاء الدين القويم ، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين ورحمة الله وبركاته .

المصادر:

  1. 1. المُختار من كلمات الإمام المهدي 2:349 .
  2. 2.الكافي: 1367.
  3. 3. مثير الأحزان، محمد بن جعفر بن نما الحلي ،منشورات المطبعة الحيدرية في النجف، 1369ه/1950م.
  4. 4. الشعائر الحسينية :7.
  5. 5. الشعائر الحسينية :76.
  6. 6. الوسائل :10/356.
  7. 7. ثورة الحسين عليه السلام :58.
  8. 8. الوسائل :10/385.
  9. 9. كامل الزيارات :121.
  10. 10. التهذيب للشيخ الطوسي: 6 / 43 .
  11. 11. كامل الزيارات ، للشيخ جعفر بن محمد بن قولويه ، ص 142 .
  12. 12. تهذيب الاحكام : ٦/ ٥٢
  13. 13. الكافي:٤/ ٥٨
  14. 14. الكافي : 4/581
  15. 15. الكافي : 4/581
  16. 16. الكافي:4/113.
  17. 17. اليقين: ٤٠١.
  18. 18. كامل الزيارات: 289.
  19. 19. مَن لا يحضره الفقيه: ٢: ٥٧٧.
  20. 20.ثورة الحسين في الوجدان الشعبي: ص58.