المحتويات
كرامات الإمام الحسين ( عليه السلام ):
يتميّز الأئمة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم – مثل الأنبياء – معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .وللإمام الحسين ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ،
وقبل الولوج في الموضوع لابد من الإشارة إلى معنى كلّ من (المعجزة والكرامة)، والفرق بينهما؛ لكي يتّضح سبب استعمالنا لمصطلح (الكرامة) بدلاً من مصطلح (المعجزة)، فنقول:
المعجزة: (أن يأتي المُنَصب بمنصب من المناصب الإلهية بأمرٍ يخرق نواميس الطبيعة، ويعجز عنه غيره، شاهداً على صدق دعواه) .
ومن الجدير بالذكر هنا: أنّ مصطلح (المعجزة) لم يرد في القرآن، وإنّما ورد بلفظ (آية)، نحو قوله تعالى: (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً) ,(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) . كما وردت بلفظ (برهان)، قال تعالى: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) إشارة إلى معجزة (العصا واليد). (1)(2) (3)
إذاً؛ المعجزة هي الآية؛ أي: الدليل والبرهان على صدق دعوى النبوّة.
أمّا الكرامة، فهي: الأمر الخارق للعادة، المجرّد عن دعوى النبوّة، يُظهره الله(عز وجل) بإرادته على أيدي أوليائه.
ويمكن إطلاق (المعجزة) على كرامة الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، بشيء من التعميم والتوسّع في مفهوم الأمر الخارق للعادة؛ ليكون دليلاً على صدق دعوى الإمامة.
ونذكر هنا بعضاً من كرامات الإمام الحسين ع منها :
الكرامة الأولى
عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أم الطويل : قال كنا عند الإمام الحسين ( عليه السلام ) إذ دخل عليه شاب يبكي ، فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( مَا يُبْكِيكَ ) ؟ .
قال : إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ، ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرها .
فقال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( قُومُوا بِنَا حَتَّى نَصِيرُ إلى هَذِهِ الحُرَّة ) .
فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة ، وهي مسجّاة فأشرف على البيت ودعا الله ليُحيِيها حتّى توصي بما تحب من وصيَّتها .
فأحياها الله ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد ، ثمّ نظرت إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومُرني بأمرِك .
فدخل ( عليه السلام ) وجلس على مخدّة ، ثمّ قال لها : ( وَصِّي يَرْحَمك اللهُ ) .
فقالت : يا ابن رسول الله ، إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقَّ للمخالفين في أموال المؤمنين .
ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولَّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت .
الكرامة الثانية
روي عن هارون بن خارجة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( إنّ الحسين ( عليه السلام ) إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا ، واخرجوا يوم كذا ، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم ، فخالفوه مرة وخرجوا ، فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتصل الخبر بالحسين ( عليه السلام ) فقال : ( لَقَد حَذَّرتُهُم فَلَم يَقبَلُوا مِنِّي ) .
ثمّ قام ( عليه السلام ) من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم .
فقال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( فإنِّي أدُلُّكَ عَلَى مَن قَتَلَهم فاشدُدْ يَدَك بِهِم ) .
قال : أوَ تعرفهم يا ابن رسول الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( نَعَم ، كَمَا أعرفُكَ ، وَهَذا مِنهُم ) .
وأشار ( عليه السلام ) بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدّتني بهذا ؟ ومن أين تعرف أنّي منهم .
فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( إنْ أنَا صَدَّقتُكَ تُصدِّقُني ) ؟ فقال الرجل : نعم والله لأصدقنَّك ، فقال ( عليه السلام ) : ( خَرجْتَ وَمَعَكَ فلان وفلان وذكرهم كلّهم ، فمنهم أربعة من موالي المدينة ، والباقون من حبشان المدينة ) .
فقال الوالي للرجل ورب القبر والمنبر ، لتصدّقني أو لأهرأن لحمك بالسياط ، فقال الرجل والله ما كذب الحسين وقد صدق وكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً ، فضرب أعناقهم
الكرامة الثالثة
إنّ رجلاً صار إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقال : جئتُك أستشيرك في تزويجي فلانة ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا أحبُّ ذلكَ لَك ) ، وكانت كثيرة المال ، وكان الرجل أيضاً مكثراً ، فخالف الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فتزوج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر ، فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( قَدْ أشرْتُ إليكَ فَخَلِّ سَبيلَها ، فإنَّ اللهَ يعوِّضُكَ خيراً مِنهَا ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( وَعَليكَ بفلانة ) ، فتزوّجها فما مضت سنة حتّى كثر ماله ، وولدت له ولداً ذكراً ، ورأى منها ما أحب .
الكرامة الرابعة
لمّا ولد الإمام الحسين ( عليه السلام ) أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط في ملإ من الملائكة فيهنئ محمّداً فهبط ، فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه الله في شي ء فأبطأ فكسر جناحه ، وألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد الله سبعمائة عام ، فقال فطرس لجبرائيل : إلى أين ؟ قال : إلى محمّد ، قال : احملني معك إلى محمّد لعلّه يدعو لي ، فلمّا دخل جبرائيل وأخبر محمّداً بحال فطرس ، قال له النبي : ( قل له يمسح بهذا المولود جناحه ) ، فمسح فطرس بمهد الحسين ( عليه السلام ) ، فأعاد الله عليه في الحال جناحه ، ثمّ ارتفع مع جبرائيل إلى السماء ، فسمّي عتيق الحسين ( عليه السلام ) .
الكرامة الخامسة
إنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) لمّا أراد العراق ، قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق ، فقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( يقتل ابني الحسين بأرض العراق ) ، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة ، فقال : ( والله إنّي مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً ، وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي ) .
ثمّ مسح بيده على وجهها ، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى ، وقال ( عليه السلام ) : ( فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت ) ، فقالت أم سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً ، فصاحت ، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط .
الكرامة السادسة
روى محمد الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : خرج الحسين بن علي(عليهما السلام)(3) في بعض أسفاره ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته ،فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ، ففرش للحسين تحتها ، وبإزائه نخل ليس عليها رطب ، قال : فرفع يده ، ودعا بكلام لم أفهمه ، فاخضرَّت النخلة وعادت إلى حالها وحملت رطباً ، فقال الجمَّال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين(عليه السلام) : ويلك ، إنه ليس بسحر ، ولكنها دعوة ابن نبيٍّ مستجابة ، ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعاً(4). (3) (4)
الكرامة السابعة
روى أن أعرابياً قال للحسين(عليه السلام)يا ابن رسول الله! فقدت ناقتي ، ولم يكن عندي غيرها ، وكان أبوك يرشد الضالة ، ويبلغ المفقود إلى صاحبه ، فقال له الحسين(عليه السلام) : اذهب إلى الموضع الفلاني تجد ناقتك واقفة وفي مواجهها ذئب أسود ، قال : فتوجَّه الأعرابي إلى الموضع ، ثمَّ رجع فقال للحسين(عليه السلام) : يا ابن رسول الله ، وجدت ناقتي في الموضع الفلاني. (5)
كرامات وحوادث ظهرت لسيّد الشهداء(عليه السلام) في واقعة الطف وتشتمل على أربعة محاور:
المحور الأوّل: تربة كربلاء وصيرورتها دماً عبيطاً
1-لقد أخبر المصطفى(صلى الله عليه واله) بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) منذ ولادته، حيث أخبره بذلك الوحي، وآتاه بتربةٍ من كربلاء، وهي الأرض التي يُقتل فيها، فأعطاها (صلى الله عليه واله) لأُمّ سلمة (رضوان الله عليها)، وقال لها: إذا تحوّلت هذه التربة إلى دم عبيط فاعلمي أنّ ابني قد قُتل. (6)
2ـ روي عن أُمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت على النبي (صلى الله عليه واله)، فقالت: يا رسول الله، رأيت الليلة حلماً منكراً! قال: وما هو؟ قالت: إنّه شديد. قال: ما هو؟ قالت: رأيت كأنّ قطعةً من جسدك قُطعت ووضعت في حجري. فقال (صلى الله عليه واله): خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك. فولدت فاطمة الحسين(عليه السلام)، فقالت: وكان في حجري كما قال (صلى الله عليه واله)، فدخلتُ به يوماً على النبي(صلى الله عليه واله)، فوضعتُه في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله ـ عليه وآله السلام ـ تهراقان بالدموع، فقلت بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، ما لك؟ قال: أتاني جبرئيل(عليه السلام) فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء). (7)
7ـ وعن الإمام علي(عليه السلام) ـ عندما مرّ بكربلاء أثناء مسيره إلى صفّين ـ قال: (هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتيةٌ من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله أجمعين) يُقتلون بهذه [العرصة، تبكي عليهم السماء والأرض).(8)
السؤال هنا: كيف تحوّل ذلك التراب إلى دم عبيط ساعة مقتله(عليه السلام) في اليوم العاشر من محرّم الحرام؟ وما هي دلالات ذلك؟
الجواب:
أوّلاً: ممّا لا شكّ فيه أنّ تحوّل تلك التربة إلى دم عبيط هو أمرٌ من الله(عز وجل)، الذي (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).(9)
ثانياً: أنّ ذلك تصديق لما أخبر به المصطفى(صلى الله عليه واله) منذ اللحظات الأُولى لولادة سيّد الشهداء(عليه السلام)، وهو من علائم النبوّة.
ثالثاً: أنّه إحدى كرامات أبي عبد الله(عليه السلام)، وهو أكبر شاهد على إلهية وأحقيّة ثورته المباركة.
رابعاً: فيه دلالة على غضب الله(عز وجل) على كلِّ مَن شارك وشايع وبايع ورضي بقتل الإمام(عليه السلام)؛ لأنّ الدّم علامة حمراء تدلّ على ناقوس الخطر؛ إذ إنّ من أعظم الحرمات عند الله تعالى سَفك الدماء المحترمة؛ لذا قال عزّ من قائل: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ [جَمِيعًا).(10)
وغيرها من الآيات الكثيرة التي أعلنت النكير على مَن يقتل إنساناً بغير حقّ، فكيف إذا كان المقتول ابن خاتم النبيّين(صلى الله عليه واله)، وإماماً مفترض الطاعة؟!
المحور الثاني: رمي الإمام الحسين(عليه السلام) الدّم نحو السماء
رمى الإمام الحسين(عليه السلام) الدّم بكفّه نحو السماء ثلاث مرات يوم العاشر، فلم تسقط منه قطرة واحدة على الأرض، هي:
1ـ عندما سقط ابنه علي الأكبر(عليه السلام) صريعاً على رمضاء كربلاء، (أخذ بكفّه من دمه الطاهر، ورمى به نحو السماء، فلم يسقط منه قطرة)، حيث جاء في زيارته(عليه السلام): (بأبي أنت وأُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله…يرفع دمك بكفّه إلى أعنان السماء، لا ترجع منه قطرة، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة). (11) (12)
2ـ عندما ذُبح ابنه عبد الله الرضيع بالسهم، تلقّى الإمام(عليه السلام) دمه بكفّه، ورمى به نحو السماء. قال الإمام الباقر(عليه السلام): (فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض). (13)
وفيه يقول الإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)في زيارة الناحية المقدسة: (السلام على عبد الله بن الحسين، الطفل الرضيع، المرمي الصريع، المتشحّط دماً، والمصعّد دمه في السماء، المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه [حرملة بن كاهل الأسدي وذويه). (14)
3ـ عندما أصاب السهمُ المثلث قلب الحسين (عليه السلام)، ولم يستطِع إخراجه من صدره الشريف، فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده تحت الجرح، ولـمّا امتلأت رمى به نحو السماء، وقال: (هوّن عليَّ ما نزل بي أنّه بعين الله)، فلم يسقط من ذلك الدم قطرة واحدة إلى الأرض، ثمّ وضعها ثانياً، فلمّا امتلأت لطّخ به رأسه ووجهه ولحيته، وقال: (هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي (صلى الله عليه واله) وأنا مخضّب بدمي، وأقول: يا جدُّ، قتلني فلان وفلان). (15)
والأمر المهمّ هنا هو عدم سقوط قطرة واحدة من ذلك الدم المرمي نحو السماء؛ وكأنّ السماء تقبّلت ذلك بقبول حسن، واحتفظت به.
المحور الثالث: بكاء السماء على الإمام الحسين(عليه السلام)
جاء في الروايات والأخبار الكثيرة أنّ السماء بكت الحسين(عليه السلام) لـمّا قُتِل، وبكاؤها احمرارها؛ حيث تطلع حمراء وتغيب حمراء، وفي بعض الأخبار أنّ السماء مطرت دماً، وإليك طائفة من تلك الأخبار:
1ـ عن زرارة بن أعين، عن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: (بكت السماء على يحيى بن زكريا، وعلى الحسين بن علي(عليه السلام) أربعين صباحاً، ولم تبكِ إلّا عليهما. قلت: وما [بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء، وتغيب حمراء). (16)
2- وعن ابن سيرين: (لم تُرَ هذه الحمرة في آفاق السماء حتّى قُتل الحسين بن علي(عليهما السلام)). (17)
3ـ عن علي بن مدرك، عن جدّه الأسود بن قيس، قال: (احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر، يُرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدم). (18)
4- وجاء في خطبة الحوراء زينب(عليها السلام) في الكوفة قولها: (أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون…). وفي بكاء السماء روايات كثيرة أُخرى لايسع ذكرها. (19)(20)
وبعد أن ذكرنا مجموعة من أخبار حمرة السماء وبكائها، لا بدّ من وقفة توضيحية تأمّلية حول المقصود من بكاء السماء، وعلاقة ذلك بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام).
بكاء السماء وعلاقته بمقتل الإمام(عليه السلام)
لم تنفرد الروايات والأخبار في ذكر بكاء السماء، بل جاء ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)، وقد أدلى المفسّرون بدلائهم في معنى بكاء السماء والأرض، وذكروا لذلك وجوهاً، وإليك نماذج ممّا طرحه بعض المفسّرين: (21)
2ـ ذكر القرطبي في قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) : (يعني: أنّهم لم يعملوا على الأرض عملاً صالحاً تبكي عليهم لأجله، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي فَقْد ذلك. وقال مجاهد: إنّ السماء والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحاً). (22)
المحور الرابع: أفعال فرس الإمام(عليه السلام)
ذكرت المصادر التاريخية بأنّ فرس الإمام الحسين(عليه السلام) أقبل ـ بعد سقوط الإمام(عليه السلام) عنه ـ يدور حوله، وكأنّه يريد إيصاله إلى المخيّم، ولـمّا يئس من ذلك لطّخ عُرفَه وناصيته بدمه، فصاح عمر بن سعد بجنده: دونكم الفرس؛ فإنّه من جِياد خيول (صلى الله عليه واله)، فأحاطت به الخيل، فجعل يضرب بيديه ورجليه حتّى قتل منهم عدداً، فقال ابن سعد: دعوه ننظر ماذا يصنع، فلمّا أمن الطلب أقبل نحو الإمام(عليه السلام) يقبّل بدنه، ويمرِّغ ناصيته بدمه الشريف، ويشمُّه، ويصهل صهيلاً عالياً، ثمّ توجّه بذلك الصهيل الحزين إلى المخيّم. (قال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): كان يقول: الظليمة الظليمة، من أُمّة قتلت ابن بنت نبيّها). و(قال عبد الله بن قيس: لقد رأيت الجواد وهو يدفع الناس عن نفسه، ثمّ غاص في وسط الفرات، فلم يُرَ له خبر ولا أثر). وفي خبر آخر: أنّه كان (يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة [حتّى مات).(23) (24) (25)(26)
إذاً؛ عالم الطير، وعالم الحيوان، وغيرهما، أُمم أمثالنا، لهم نظامهم الخاصّ في الحياة، قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى [رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).(27)
3ـ أنّ أفعال الفرس كانت أشبه بالاحتجاج على أُولئك الظلمة الذين ارتكبوا أكبر الجرائم على وجه الأرض، بحقّ أعظم شخصية عرفها التاريخ، وهو الإمام الحسين(عليه السلام)، ابن بنت أعظم شخصية خلقها الله(عز وجل)، وهو نبيّنا محمد المصطفى(صلى الله عليه واله)، احتجاج عليهم لجرأتهم على قتل تلك الشخصية الربّانية التي لم تُرِد إلّا الإصلاح في الأرض، كما صرّح(عليه السلام) بذلك في قوله: (… وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي(صلى الله عليه واله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أوْلى بالحقّ، ومَن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير [الحاكمين).(28)
احتجاج صارخ، وردّ واضح ـ من قِبل حيوان ـ على أُولئك المنحرفين، فإلى أيّ مستوىً ضحل نزلوا حتّى أصبحوا (كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)! نزلوا إلى ذلك بما اقترفته أيديهم من جريمة نكراء، أبكت السماء والأرض، وما فيهما من حيوان وجماد وغيرهما. (29)
إذاً؛ بكاء هذا الفرس الأصيل، وما قام به ـ إذ لم يستطع السكوت على تلك المأساة كما سكت المجتمع يومذاك ـ حجّة عليهم إلى يوم القيامة.
يتضح مما سبق أنّ تحول التراب دماً، وصعود الدّم إلى السماءوعدم رجوع قطرة واحدة، وبكاء السماء، وبكاء الفرس وصهيله، كلّها حوادث وكرامات لسيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، الذي هبَّ لنصرة دين الله الحق .
المصادر والمراجع
- ↑1. الأعراف: آية73.
- ↑2. الإسراء: آية101.
- ↑3. القصص: آية32.
- ↑4. إقبال الأعمال، الطبعة الأُولى، 1416هـ.
- ↑5. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ، الطبعة الأُولى، 1421هـ.
- ↑6. أنساب الأشراف، الطبعة الأُولى، 1397هـ/1977م.
- ↑7. (دم عبيط: طري خالص لا خلط فيه). الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير: ج2، ص390.
- ↑8. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص129. اُنظر أيضاً: القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة: ج2، ص382.
- ↑9. الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص761 ـ762. يس: آية82.
- ↑10. المائدة: آية32.
- ↑11. المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص260.
- ↑12. كامل الزيارات: ص416.
- ↑13. اللهوف في قتلى الطفوف: ص69.
- ↑14. إقبال الأعمال: ج3، ص74.
- ↑15. اللهوف في قتلى الطفوف: ص69.
- ↑16. مجمع البيان: ج9، ص109.
- ↑17. الصواعق المحرقة: ص226. تذكرة الخواصّ: ص245ـ 246.
- ↑18. ترجمة الإمام الحسين ومقتله من كتاب الطبقات الكبير: ص91.
- ↑19. اللهوف في قتلى الطفوف: ص87.
- ↑20. كامل الزيارات: ص179. إقبال الأعمال: ج3، ص338. مدينة المعاجز: ج4، ص155
- ↑21. الدخان: آية29.
- ↑22. الجامع لأحكام القرآن: ج16، ص140.
- ↑23. بحار الأنوار: ج45، ص57. ينابيع المودة لذوي القربى: ج3، ص84.
- ↑24. المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص283.
- ↑25. ينابيع المودة لذوي القربى: ج3، ص84.
- ↑26. بحار الأنوار: ج45، ص60.
- ↑27. الأنعام: آية31.
- ↑28. المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص137.
- ↑29. الفرقان: آية44.
اترك تعليق