يعد البكاء على الإمام الحسين عليه السلام عمدة الشعائر الحسينية بل هو جوهر وروح الشعائر الحسينية ، وبنظرة دقيقة نجد أنّ بقية الشعائرهي مقدمة البكاء، فإقامة مجالس العزاء واللطم والندب والزيارة نتيجتها الحزن والبكاء، ولذا نجد أن الروايات الصحيحة متواترة في البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ، ومن تلك الروايات :

عن الإمام الرضا عليه السلام :”فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنَّ البكاء عليه يحطُّ الذّنوب العظام”
وعنه (عليه السلام) :”يابن شبيب إن بكيت على الحسين عليه السلام حتّى تصيردموعك على خديك غفر الله لك كلَّ ذنبٍ أذنبته صغيراً كان او كبيراً قليلاً كان او كثيراً “.
وكما نجد في الروايات المتواترة أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة بكوا الإمام الحسين عليه السلام ، بل إنَّ كل ما في الكون بكى الحسين عليه السلام ، فقد جاء عن أبي بصير قال : كنت عند ابي عبد الله عليه السلام أُحدثه فدخل عليه ابنه فقال له : مرحباً وضمَّه وقبَّله وقال :”حقَّر الله من حقّركم وانتقم الله ممَّن وتركم ، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم وليّاً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشُّهداء وملائكة السّماء ، ثم بكى وقال :يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين عليه السلام أتاني ما لاأملكه بما أتى إلى أبيهم وآلهم ، يا أبا بصير إنَّ فاطمة عليه السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدُّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق ….فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون الله ويتضرعون إليه …قلت : جعلت فداك إنّ هذا الأمر عظيم قال : غيره أعظم منه ما لم تسمعه ثمَّ قال :يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون في من يسعد فاطمة عليها السلام ؟ فبكيت حين قالها ، فما قدرت على المنطق وما قدرت على كلامي من البكاء …”

أبعاد البكاء

إنّ الدين الإسلامي يأمر المسلمين بالصبر عند نزول المصائب كما هو معروف ، إلا إنّه يدعو إلى الجزع والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام إلى درجة صار المؤمن يستعبر ويبكي حالما يرد عليه ذكر الحسين عليه السلام ، وكما ورد عنه عليه السلام :”أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلَّا استعبر”.
ولاشكَّ في أنّ لذلك أهدافاً معينّة ، ونستطيع أن نلخصها بالأبعاد التالية :

البعد الروحي

البكاء على الإمام الحسين حياة القلوب ذلك ان مصابه يكسر القلب ويذلله وبهذا الانكسار يقترب العبد من ربه ؛ لأن الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي عند المنكسرة قلوبهم ، فيصير القلب موضع الرحمات الإلهية وكما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام:من جلس مجلساً يُحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .
وكما ان البكاء عليه يحي القلوب فإنّه كذلك يوجب الغفران ، ويحطّ الذنوب العظام ، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام :وإنَّهُ _يعني الحسين_ لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ،ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول :أيُّها الباكي لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر ممَّا حزنت وأنَّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة ”

وعن الإمام الرضا عليه السلام :”فإنَّ البكاءعليه يحطُّ الذّنوب العظام”
والحطّ هو الإنزال من العلو وهو أعلى من الغفران ، فالغفران هو ستر الذنب بينما الحطّ هو محو الذنب وآثاره من قلب المؤمن وصحيفته .

ولم يقتصر البكاء على الإمام الحسين عليه السلام بغفران الذنوب فحسب فإنّه يوجب كثرة الثواب وعلوّ الدرجات ، فالدمعة المنسكبة على الإمام الحسين عليه السلام تطفئ بحاراً من جهنم ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال:”إذا كان يوم العاشر من المحرَّم تنزل ملائكة من السَّماء ومع كلّ ملكٍ قارورة من البلّور الأبيض ، ويدورون في كل بيت ومجلسٍ يبكون فيه على الحسين عليه السلام فيجمعون دموعهم في تلك القوارير، فإذا كان يوم القيامة فتلتهب نار جهنَّم ، فيضربون من تلك الدموع قطرة على النَّار فتذهب النَّار عن الباكي على الحسين عليه السلام مسيرة ستّين ألف فرسخٍ”

وعن زرارة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام :” يازرارةُ إنَّ السَّماءَ بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدَّم وإنَّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسَّواد، وإنَّ الشَّمس بكت أربعين صباحاً بالكُسُوف والحمرة ، وإنَّ الجبال تقطَّعت وانتثرت، وإنّ البحار تفجَّرت ، وإنَّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام ، وما اختضبت منَّا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت … حتَّى أتانا رأس عُبيد الله بن زياد ، وما زلنا في عبرة بعده ، وكان جدي إذا ذكره بكى حتَّى تملأ عيناهُ لحيتَهُ ، وحتَّى يبكي لبُكائه رحمةً لَهُ من رآه ، وإنَّ الملائكةَ الَّذينَ عند قبرِهِ ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسَّماء من الملائكة، ولقد خرجت نفسه عليه السلام فزفرت جهنَّم زفرة كادت الأرض تنشقُ لزفرتها ، ولقد خرجَتْ نفس عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية فشهقت جهنَّم شهقة لولا أنَّ الله حبسها بخزَّانها لأحرقت مَن على ظهر الأرض من فورها ، لو يؤذَنُ لها ما بقي شيءٌ إلَّا ابتلعتهُ ، ولكنَّها مأمورة مصفودة ، ولقد عتت على الخُزَّان غير مرَّة حتَّى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكتت ، وإنَّها لتبكيه وتندبه وإنَّها لتتلظَّى على قاتله ولولا من على الأرض من حجج الله لنُقضت الأرض وأُكفِئت بما عليها،وما تكثر الزلازل إلّا عند اقتراب الساعة ، وما من عين أحبّ إلى الله ولاعَبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدَّى حقَّنا ، وما من عبد يحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدِّي الحسين عليه السلام، فإنَّه يُحشروعينه قريرة والبشارةُ تلقّاه والسّرور بيِّنٌ على وجههُ ، الخلقُ في الفزع وهم آمنون ، والخلقُ يُعرضون وهم حُدَّاث الحسين تحت العرش وفي ظلِّ العرش لايخافون سُوءَ الحساب …”

البعد الولائي

إنّ للبكاء أثرٌ في توطيد العلاقة والارتباط بأهل البيت عليهم السلام ، ومصداقاً للحزن مع حزنهم ، فعن جعفر بن محمد عليه السلام قال:” من دمعت عيناه فينا دمعةً لدم سفك لنا أوحقٍّ لنا نُقصناه أو عرضٍ انتهك لنا أو لأحدٍ من شيعتنا بوَّأه الله تعالىبها في الجنَّة حُقباً”*

المصادر

  1. ينظر: محاضرات الخطباء في شرح كلمات سيد الشهداء :2/440_444.