تعد الغربة من أقسى الحالات النفسية التي يعيشها الإنسان ، فهي تؤدي غلى الحزن والأسى والألم والهم والغم وما أشبه ذلك .
ومن معاني الغربة أيضا الشعور بعد الانتماء إلى الوطن ، وفقدان الأهتمام كالمريض الذي لايجد من يهتم به ، والفقير الذي لا يقدره أحد ، فعن الإمام علي عليه السلام: ” والمقلّ غريب في بلدته “، وعنه أيضاً عليه السلام :”الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة ” وكذلك فقد الأحبة بالسفر أو الموت ، فعن أمير المؤمنين: “فقد الأحبَّة غربة” .
وإن الزاهدين في الدنيا يعيشون شعور الغربة ، ولذا ورد عن رسول الله (ص) في قوله لأبي ذر :”كن في الدُّنيا كأنَّك غريب أو كعابر سبيل “.
ولايقتصر مفهوم الغربة على الأشخاص فحسب بل يشمل غربة النهج والفكر، فالدين إذا لم يُطبق بين المسلمين يكون غريباً

ومن هنا ورد عن رسول الله (ص)أنّه قال : “بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما كان فطوبى للغرباء”.

كان الإمام الحسين عليه السلام معروفاً بين الناس وخصوصاً في المجتمع الكوفي ، ومع ذلك فقد كان غريباً بينهم ، لأنّهم لم يقدّروا ذاته ، ولم يفهموا أهدافه ولم يحملوا وعي ثورته.
فكان فكره غريباً عمّن حوله ، وكان شخصه غريباً بين قومه ، ثمّ عاني غربة الإسلام ، وغربة الحكم ، وغربة الحق المضيّع .
وقد سُئل عليه السلام ذات يوم: كيف أصبحت يابن رسول الله ، فقال عليه السلام : ” أصبحنا وأصبحت العرب تعتدّ على العجم بأنَّ محمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم منها وأصبحت العجم مقرّة لها بذلك، وأصبحنا وأصبحت قريش يعرفون فضلنا ولايرون ذلك لنا ، ومن البلاء على هذه الأُمَّة أنَّا إذا دعوناهم لم يُجيبونا وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرنا “.

ثمَّ عانى الغربة النفسية بعد ان تفرّق النّاس عنه ، وبقي وحيداً في مجموعة صغيرة ، وازدادت غربته حينما تكلم مع أعدائه فقالوا له : لا ندري ما تقول ؟ وهكذا عاش الإمام غريباً ومات غريباً.
ومن هنا ورد في الروايات أنّه عليه السلام الغريب ، فنسلّم عليه ونقول :”السلام على الغريب”
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّهُ قال للسيدة فاطمة عليها السلام: ” يُقتل بأرض يُقال لها : كربلاء في غُربة من الأهل والعشيرة”
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :”تاسوعاء يوم حُوصر فيه الحسين وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء ، واجتمع إليه خيل اهل الشام …واستضعفةا فيه الحسين وأصحابه رضي الله عنهم ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ناصر ولايمدّه أهل العراق ، بأبي المستصف الغريب”
وقد روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام حينما سمع رجلاً يقول : أنا غريب ، فسأله الإمام عليه السلام :”إذا متّ في هذا البلد هل تُغسَّل وتكفَّن وتُدفن ؟ فقال : نعم ، فقال عليه السلام : إذاً لست بغريب ، الغريب الحسين فإنَّه مات ولم يُدفن”.*

المصادر

  1. راجع ، كتاب محاضرات الخطباء في شرح كلمات سيد الشهداء :2/313_316.