الإمام الحسين و مفهوم الفداء

معنى الفداء هو جعل الشيء مكان الآخر لدفع الضرر عنه ، ولذتا يُطلق على المال الذي يُدفع لإطلاق سراح الأسير بأنَّه (فدية) كما تُطلق الفدية على (الكفَّارة) التي يرخجها المريض بدلاً عن صيامه.
والشخص الذي يقدم مالاً او يقدم نفسه يُقال له (الفادي).

أقسام الفداء
ينطبق معنى الفداء على عدة أمور:

  1. الفداء بالمال وذلك بأن يقدم الإنسان مالاً لدفع الضرر عن الاخرين ، فمثلاً: إذا كان لديه أسير عند أعدائه فإنَّه يقدم مالاً ليفديه به ومن ذلك قوله تعالى في “سورة محمَّد”:﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)﴾.
    ومنه الفدية التي يقدمها الإنسان بدلاً عن الصيام ، قال تعالى في “سورة البقرة” : ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)﴾ومنه تقديم الأضاحي فداءً لدفع البلاء عن الأولاد ، ومن ذلك ما قدمه عبد المطلب وهو مائة بعير فداءً عن ذبح ولده عبد الله بعد ان قد نذر لذبحه .

  2. الفداء بالعمل ، ومنه قوله تعالى في” سورة البقرة:196″: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾.
  3. الفداء بالولد وذلك ان يقدم الإنسان أعز ما لديه وهم الأولاد في سبيل شيء مهم كالدفاع عن العرض أو الوطن أو الدين ، ومنه ما كان يفعله أبو طالب عليه السلام حيث كان يطلب من أولاده أن يناموا مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كي يقع البلاء عليهم بدلاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
  4. الفداء بالنفس ، وهو تقديم النفس من اجل الحفاظ على ما هو أغلى منها كالدِّين ، ومنه تقديم الإمام علي عليه السلام نفسه فداءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة .

الإمام الحسين عليه السلام الفادي

ممَّا تقدم ندرك انَّ الفداء لا يكون إلّا بملاحظة المهم والأهم ، وأنَّ الفادي يقدم الأهم على المهم ، فالمال مهم ولكن العرض أهم منه ، والأهم منهما الدِّين ، ومن هنا نعرف انّ الإمام الحسين عليه السلام هو اعظم “فادي” في الإسلام فقد فدى نفسه وماله وعياله وأهله من اجل الدِّين.
وقد جاء عن افضل قال : سمعت الإمام الرضا عليه السلام يقول :” لما أمر الله عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل بيده وأنَّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه :يا إبراهيم مَن أحبّ خلقي إليك ؟ فقال : ياربِّ ما خلقتَ خلقاً هو أحبّ إليَّ من حبيبك محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأوحى الله إليه : أفهو أحبّ إليم أم نفسك ؟قال : بل هو أحبّ إليَّ من نفسي ، قال ك فولده أحبّ إليك أم ولدك ؟ قال ك بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : ياربِّ بل ذبح على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال :يا إبراهيم فإنَّ طائفة تزعم انَّها من أُمَّة محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواماً كما يُذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوَّجع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى الله عزَّ وجلَّ : يا إبراهيم فقد فديتُ جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله وأوجبتُ لك أرفع درجات اهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عزَّ زجلَّ :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)﴾”

وروي عن ابن عباس :كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسينُ بن عليّ عليهما السلام ، تارةً يُقبِّل هذا وتارةً يُقبِّل هذا ، إذْ هبط عليه جبرائيل عليه السلام بوحي من ربِّ العالمين ، فلمَّا سرى عنه _يعني عرج جبرئيل إلى السَّماء_ قال صلى الله عليه وآله وسلم: “أتاني جبريلُ من ربِّي ، فقال لي : يامحمَّد! إنَّ ربَّك يقرأ عليك السلام ويقول لك :لستُ أجمعهما لك ، فافْدِ أحدَهما بصاحبه .
فنظر النَّبيُ صلى الله عليه وآله وسلم إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين عليه السلام فبكى، ثمَّ قال: إنَّ إبراهيم عليه السلام أُمُّو أمَة ، ومتى مات لم يحزن غيري ، وأُمُ الحسين فاطمة وأبوه عليٌّ ابن عمِّي لحمي ودمي ، ومتى مات جزنتْ ابنتي وحزن ابن عمِّي وحزنتُ انا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما ، ثمَّ قال النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم :”يا جبريل تقبضُ إبراهيم ، فَدَيْتُهُ بإبراهيم”.
قال فقُبض بعد ثلاث ، فكان النَّبيُ صلى الله عليه وآله وسلم إذا راى الحسين عليه السلام مقبلاً ، قبَّله وضمَّه إلى صدره ورَشَف ثناياه ، وقال : فديتُ من فديتُه بابني إبراهيم ”

المصادر

  1. يُنظر ، محاظرات الخطباء في شرح كلمات سيد الشّهداء :2/548_553.